مال الغصن يحجب عنّي سكرات الشمس، جلست برهة لألتقط أنفاسي متكئة علي جدار بيت من طين. لونه سماء زرقاء، متوّج بمثلث اصفر يحنو بصفار الرمال البعيدة.
أحمد، ابن أحمد، صبي القرية دائما أحمد، أحمديّ الدين بالوراثة. “شكّ” بذرة هذا الظلال. أتذكره حامل جاروفه سائر خلف أمه مار بالبيوت. “يا ام أحمد، عايزة تشكّ الزرعة؟” تصيح ام أحمد داعية اهل القرية. و يقوم أحمد بجرف حفرة تلو حفرة، مستدعيا قوي جسده الصغير في عدة ضربات حتي يصل الي العمق المناسب، يضع شتلة الماهوجني و يغمرها بالماء. و إن لم يتوافر الماء ينحدر بخفة جسده النحيف الي المجري الضحل يملأ السطل بالماء.
أحمد لا يتكلم كثيرا، لا اتذكر صوته، و لكن علو في عينيه مروئته. كَبُر عمره عن سنه و دفن ذاته بتربة الارض. تعاكس الشمس ملامحه و تبرق عيناه في جسده الاسمر الترابيّ.
انتهي من الجرف عند آخر القرية تاركاً اهل البيوت ضاحكين من خضرة الاوراق الصغيرة المتلاعبة، متكئيين علي أمل استقامة الغصن. و كأن هذه الزرعة هي البستان المجمل لطريق بيتهم الرملي و ظلالها سيكون السقف الناقص لمنامهم.
“الله يسعدك يا أحمد”
مشي أحمد يجر جروفه من التعب، تاركا أمه تحاكي النسوة، في زقاق بدء بنهاية البيوت الصغيرة، يحفّه شريان مياه ضحل أفاقه خضرة المحصول. سنابل القمح مترنحة مع هفوات الريح الخفيف. ترك جاروفه عند حافة الزرع و مشي فيه متخللا اغصانه حتي القي جسده علي بساط الطين البارد بظلال اذرع الشجرة.
غمض عينيه عن ما حوله،ترك عنانه لنسيم الهواء و برودة الطمي تسحب من جلده لسعات الشمس. فتح عينيه علي تداعب الشمس بين اغصان الشجرة و تنهّد.
“آه…”
-“يوم متعب؟”
“آه…” رد أحمد و عيناه منغلقتان. سكت، ثم انتفض عِلما انه كان وحيد الاستلقاء، التفت و نظر حوله في كل الجهات و لم يجد احد بالفعل.
“لعلّني غفوت.”
“آه…” رد أحمد و عيناه منغلقتان. سكت، ثم انتفض عِلما انه كان وحيد الاستلقاء، التفت و نظر حوله في كل الجهات و لم يجد احد بالفعل.
“لعلّني غفوت.”
-“لم تغفو…”
No comments:
Post a Comment