ارتبك أحمد من غفوته يلتفت يمينا و يسارا، “من هنا؟؟”
ظهر من خلف الشجرة رجلا مستديرا، “لا تفزع، أظننت انك وحدك تأتي هذه البقعة مستكينا ظلالها؟” اعتدل الرجل من استلقائه و توجه لأحمد.
“أنا ايضا ذاك الأحمد، استحوذت الشمس علي جسدي في بقاع هذا الريف، كنت ادور بين البيوت بحثا عن غايتي. و إذا تعبت آتي هنا كي تتسلل أعبائي لتراب الارض. لم أعي كم دارت الايام حتي رأيت يوما ثمار ما ظننته غفوتي.”
علو صوت الهواء بين الاغصان و كأنه الجموع يصيح متمما كلامه شاهدا علي الاحداث. تنهّد الرجل و استكمل..
“مضيت سنينا مترقبا و لم اعانق الحياة قط. كان الوادي وجهتي و الارض محيطي، لم تكن قد تآكلت بزحف البنيان حينها. أجرف، أزرع، أسقي و أحصد كل يوم و لم اعي لماذا، الواقع انني لم اكترث. كانت هذه سنة المعيشة و كغيرها من الاشياء تداولت بالفطرة و لم يتسائل عنها احد.
اسير في الدروب كل يوم، مترنحا من لفحة الشمس حتي استوقفني يوما ظلال، ظلال يميل في سكون بارد علي جسدي، يتوسط الطريق وحيد. شجرة كونت بقعة صغيرة منفّرة سكرات الشمس. وقفت للحظة و لم ارد المضيّ.”
-قمت من مجلسي بعدما استكان الظلال الرطب علي جسدي. “يجب ان امضي قبل نزول الشمس، الاهالي ينتظرون و النهار باقي فيه ساعات.”
سرت في زقاق تحفّه بيوت صغيرة من طوب، علي وضعها منذ بنيت، لا يدفئها الوان طلاء. يجاور البيت شجرتان ماهوجني تؤازِران من وحشة الطوب الحراري. خرج من إحدي البيوت رجل في منتصف عمره، اسمر اللون، ذائبا في جلبابه ناصع البياض و يكسو وجهه ابتسامة ترحاب. “تفضلي يا بشمهندسة” داعيا إياي لساحة بيته الصغيرة المظللة.
بيته اختلف عن البقية، رغم بساطة خاماته كغيره، لكن تهيّأ فيه الاهتمام و العناية (علي قدر مستطاع)؛ بعض الطلاء المزيّن للمدخل، ساحة رفيعة مظللة بعيدان الخشب و القش، و دكة طينية تحفّها شجيرات صالحة للأكل لإحتساء الشاي في امسية عليلة.
“كيف لي ان اساعدك يا حج؟”
“لا اريد شيئا شكرا، اريدك ان تستظلي في ساحتي البسيطة و تحتسي شيئا يرطب جوفك.”
خجلت من كرمه، فجلست لاحتسي بعض الماء ،رغم ضيق الوقت، تحت ظلال ساحته. نظرت امامي لأجد اراضي واسعة، خضار لا متناهي يلتحم مع زرقة سماء متوّجة ببعض السحاب. عجبت لهذه الساحة البسيطة اللتي تطل علي وجهة للقصور.
-“ماذا وجدت في هذه البقعة؟” سأل احمد مستنفيا شرود الرجل.
“وجدت الطريق أمامي…”